بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 يناير 2013

منظومة التقاعد على شفا الهاوية


منظومة التقاعد على شفا الهاوية

  


مرزوق الحلالي

لقد تم الإعلان رسميا عن عجز عدد من مؤسسات منظومات التقاعد وهناك إجماع على هذا التشخيص.
ومنذ غشت 2012 تسربت معطيات الدراسة حول صناديق التقاعد التي أعدتها المندوبية السامية للتخطيط، والتي أقرّت في مجملها أن هذه الصناديق على جرف هاري من الإفلاس. وفعلا كانت الأرقام صادمة بعد الكشف عن فحوى الدراسة. وكانت الصدمة أدهى وأمرّ لمّا خلصت الدراسة لسيناريوهات مؤلمة، أقلّها ضررا الرفع من سنّ التقاعد والزيادة في قيمة الانخراطات.
إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية، جذرية وبنيوية، ستشهد منظومة التقاعد ببلادنا إفلاسا محتوما وخصاصا قد يصل إلى ملياري (2) درهم مع حلول سنة 2014، وقد يتضاعف العجز المحتوم بشكل صاروخي ليقارب 25 مليار درهم (2500 مليار سنتيم) سنة 2020 وما يقارب 4600 مليار سنتيم سنة 2030 ، وقد يتجاوز 7900 مليار سنتيم سنة 2061 إن ظلت دار لقمان على حالها.

الأسباب معروفة لكن الحلول مازالت في خبر كان
يقرّ عبد العظيم الكروج، الوزير المنتدب المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، أن وضعية التقاعد بالمغرب وضعية صعبة جدا وتمرّ بأزمة حادة جدا.
وهناك عدة عوامل تاريخية تكمن وراء هذه الوضعية، تراكمت انعكاساتها وتداعياتها على امتداد عقود. وقد تأكد عجز الصندوق المغربي للتقاعد بدء من السنة الحالية (2013)، ومع حلول سنة 2019 ستجف احتياطاته نهائيا، وبذلك سيفقد كليا إمكانية الوفاء بالتزاماته لعدم توفره على التمويلات اللازمة لأداء المعاشات المستحقة. علما أن احتياطات الصندوق تقدر حاليا بـ 7600 مليار سنتيم لكنها ستنضب كليا مع حلول عام  2019  (بعد أقل من 6 سنوات)، وبذلك سيفقد كل موارده إن لم يتم تدارك الموقف بسرعة.
ويؤكد الوزير أن هناك عدة عوامل تفسر هذه الوضعية الحرجة، وأولها البنية الديمغرافية للمغرب، إذ كان معدل النشيطين بالنسبة لكل متقاعد 14 في سنة 1980 وأضحى 3 نشيطين مقابل كل متقاعد واحد، وفي سنة 2024 سينحدر هذا المعدل إلى نشيط واحد لكل متقاعد.
كما هناك ما يسميه الوزير "سخاء" منظومة التقاعد، حيث أن المعاشات المدنية تضمن معاشا يُحتسب على أساس آخر أجر. هذا إضافة إلى تأثير العلاقة أو الارتباط بين قيمة المساهمة وقيمة المعاش، إذ أن مساهمة المُشغل والمنخرط لا تكفي إلا لتغطية بالكاد 12 سنة من المعاش، في حين أن معدل احتياج المتقاعد يصل إلى 29 سنة وقد يفوقه.
ويعتبر الوزير أن إي إصلاح يجب أن يحسم في إطار تشاركي وأن يقرّ بالحفاظ على المكتسبات، فهذا أمر لا مندوحة عنه، لذا ينخرط الإصلاح المتوخى على مستويين، مستوى تقني إجرائي (رفع سن التقاعد، طريقة احتساب المعاش، نسب المساهمة...)، ومستوى هيكلي وشمولي .
يتوفر الصندوق المغربي للتقاعد حاليا على 7600 مليار سنتيم، لكن تقابلها التزامات بقيمة 58000 مليار سنتيم وجب عليه التمكير في طريقة ضمان توفيرها منذ الآن، وكل تأخير في اتخاذ القرار بهذا الشأن سيُضيف كلفة جديدة وسيزيد من تعميق العجز، هذه هي معضلة الصندوق حاليا. وبالتالي وجب اتخاذ قرارات سريعة لوضع حد للنزيف المميت.
وفي ترى النقابات أنه علاوة على الأسباب الاقتصادية والديمغرافية وغيرها التي غالبا ما تلجأ إليها الجهات الرسمية لتفسير واقع حال منظومة التقاعد ببلادنا، هناك أسباب أخرى لا تقلّ أهمية، منها مخلفات ما سُمّي بسياسة التقويم الهيكلي، إذ كانت الدولة توفر ما بين 40 و45 ألف منصب مالي فتراجعت إلى حد توفير 7 ألف فقط في بعض السنوات، وكان لهذا التقليص المهول تأثير سلبي على منظومة التقاعد.
ومن العوامل المهمة، سوء التدبير وسوء توظيف الأرصدة المالية وكذلك الفساد. حيث تمّ رصد اختلالات كبيرة وجملة التجاوزات والخروقات السافرة في مجال التدبير المالي والإداري والموارد البشرية. هذا، علاوة على عدم توفر الحكومة على رؤية واضحة واستشرافية لما كانت ستؤول إليه أوضاع منظومة التقاعد رغم  أن المؤشرات كانت واضحة للأعمى منا يقال.
لقد عاشت منظومة التقاعد اختلالات بنيوية خطيرة منذ بداية سبعينات القرن الماضي إلى أواخر تسعيناته، مما فرض على حكومة عبد الرحمان اليوسفي ضخّ 1100 مليار سنتيم في المنظومة، كما أن المنخرطين ساهموا كذلك للحد من العجز، علما أن 1100 مليار سنتيم المضخة لم تكن هبة للصندوق المغربي للتقاعد، وإنما هي قيمة مساهمة الدولة لم تكن تؤديها من قبل، إنها متؤخرات دين تم تسديدها خلافا ما اعتقد البعض.
معالم الكارثة
شرع الصندوق المغربي للتقاعد في الاغتراف من احتياطاته للوفاء بالتزاماته، وفي حالى حدوث أي تغيير على وجه السرعة، فإنه بعد 30 سنة ونيف سيجف المخزون نهائيا. وللتصدي للكارثة، ستكون الحكومة في حادة لما مبلغه 125 مليار درهم (12500 مليار سنتيم) على امتداد العقدين القادمين، علما أن قيمة مساهمات الشغيلين غير المؤداة إلى حد الآن تقدر 1200 مليار درهم ( 120000 مليار سنتيم)، ومن المنتظر أن يهتم تقرير المجلس الأعلى للحسابات القادم باختلالات صندوق التقاعد.
لقد بدأت متاعب منظومة التقاعد ببلادنا منذ سنة 2000، علما أن 60 بالمائة من الساكنة النشيطة بالمغرب غير معنية بالمنظومة وغير منخرطة فيها. كما أن التعددية التي تشهدها هذه المنظومة تساهم بشكل كبير في خلق اختلالات كبيرة بخصوص معدل المعاشات، إذ يوجد أكثر من صندوق، ولكل قواعده وأنظمته الخاصة.
فمنذ عقود تم اعتماد جملة من أنصاف الحلول والحلول الترقيعية الظرفية لم تعمل إلا على إرجاء حدوث الكارتة وتأجيل الانفجار، وهذا بدوره ساهم في تجميع شروط تعميق الاختلالات واستدامتها ومضاعفة العجز بشكل صاروخي. كل هذا علاوة على الفساد المستطير الذي ظل ينخر المنظومة من الداخل دون رادع.
ومن المعلوم أن الصندوق المغربي للتقاعد دأب على استثمار أمواله في الأسهم، إلا أن 88 بالمائة من احتياطاته موظفة في سندات الخزينة التي غالبا ما تنأى عن المخاطر.
ظلت الانتظارات كبيرة
ظل  المتقاعدون  يتنظرون عقودا  حدوث إصلاح نظام التقاعد، وقد تجددت آمال العديد منهم بأن ينتهي هذا الانتظار مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم. إلا إن التحديات التي تواجه منظومة التقاعد متعددة ومتداخلة. وقد تم تشكيل لجنة منذ تسعة أعوام لوضع خطط الإصلاح إلا أنه لم يتم الاتفاق على حل نهائي بسبب انعدام الشجاعة السياسية.
وقد سبق لوزير الاقتصاد والمالية نزار بركة أن أقرّ قائلا: "سنعمل مع شركائنا من ممثلي العمال لضمان تنفيذ النتائج التي توصلت إليها الدراسات الفنية حول هذه المسألة، خاصة فيما يتعلق بتطبيق نظام موحد وخلق مستوى ثاني إضافي يرتكز على القطاعات". وجاء هذا التصريح بعد أن أقرّت دراسة  نشرتها المندوبية السامية  للتخطيط في غضون شهر مايو الماضي أكدت أن الضمان الاجتماعي يواجه مخاطر وفي حاجة إلى اتخاذ إجراء فوري... وهذا العمل غير قابل للتأخير الآن . وذات الدراسة خلصت إلى أنه  من المتوقع أن تتبدد موارد الصندوق المغربي للتقاعد مع حلول سنة  2019  ، فيما لن يتمكن الصندوق  الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المهني للتقاعد من الوفاء بالتزاماتهما مع حلول سنة 2060 .ورأى معدو الدراسة أن على الحكومة الاختيار بين عدة سيناريوهات لعملية الإصلاح المطروحة تشمل الرفع التدريجي لسن التقاعد إلى 65 عاما بمعدل ستة أشهر سنويا أو رفع المساهمات التأمينية إلى 26 بالمائة بمعدل 2  بالمائة سنويا، أو احتساب المعاشات على أساس متوسط الأجر خلال آخر ثمانية أعوام. ويدخل ضمن البدائل اتخاذ إجراءات للمزيد من التشغيل وتحسين معدل التشغيل، الأمر الذي يجبر العمال الجدد على المساهمة في صندوق التقاعد. هذا في ظل معول على الحكومة أن تعمل على قضية المعاشات لتأمين مستقبل نظام التقاعد وضمان تقاعد مشرف للأجيال القادمة.
علما أن الكثيرون يرون  أن الزيادة في سن التقاعد  ستؤثر سلبا على تشغيل الشباب الذي يعيش أصلا في أزمة، في حين يرى البعض  أنه يجب اعتماد نظام تقاعد خاص بالمرأة وتحديد سن 45 سنة للإحالة على التقاعد لفسح المجال لتوظيف الشباب.
وذهب رأي إلى القول إنه من غير المعقول أن يتم تحميل المواطنين وزر نهب أموال صناديق التقاعد الذي قام به المسيرون المتعاقبون على هذه الأخيرة.
تلك هي مطالب العمال المتقاعدين الذين يعانون من أجل الوفاء بالتزاماتهم حتى نهاية الشهر.

على سبيل الختم
لانقاد الموقف – ولو مؤقتا- تناسل الحديث عن ترسانة من الإجراءات المسكنة، ومنها رفع سن التقاعد إلى 62 سنة ومراجعة وعاء المعاش وقيمة الانخراط، لتفادي الإفلاس المحدق بمنظومة التقاعد ببلادنا، بل تعتبر الحكومة إن هكذا إجراءات أضحت مفروضة، وواجب لا مندوحة عنه بفعل الكارثة التي تحوم بالتقاعد.
لكن الإصلاح الذي تستوجبه وضعية منظومة التقاعد بالمغرب لم يعد يقتصر على الإجراءات التقنية المقياسية، وإنما تتجاوزها إلى إصلاحات معيارية واجتماعية واقتصادية وسياسية، اعتبارا لأن إشكالية التقاعد إشكالية مجتمعية مركبة وشاملة، وليست مجرد إشكالية اقتصادية أو مالية أو قانونية مسطرية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق